الثلاثاء، 23 ديسمبر 2025

الفصل 1الجزء الثاني " أحبيني أنا وليس قلبي "

 أتي الصباح اليوم الباكر 

أشرقت به أشعة الشمس رغم كل شيء 

أشرقت إشراقة محت كل بقايا ليلة باردة كئيبة مظلمة حيث إستقر عمق دمسها في قلوب مجهدة متعبة 

ربما إستغلة الحياة عجزهم و قلة حيلتهم و مارست كل ما تعلمه من جحود و قسوة 

حتى أرهقتهم أكثر من إرهاقهم 

قلوب أحتاجت إلى لمسة ناعمة و بسيطة لكي تحيا من جديد لمسة شابهة أشعة الشمس ليوم جديد

يوم تستطيع القول أنها ليلة أخرى قد مضت 

أو ربما أمل جديد... 

تستطيع القول 

لا بأس نتحمل ليلة أخرى لعلها الأخيرة.. 



خطت إلى الصالون منزل بخطى مترنحة قليل كان شعرها القمحي اللون مجعدة بفوضوية و عيناها الفيروزية منتفخة و خدها محمرة بدفئ فركت فروت رأسها ثم دعبت غرة جبينها تهندنها قليل  

سحبت مقعد طاولة الطعام تجلس به تلقي بثقل رأسيها للخلف أغمضت عيناها 

لازالت تشعر بالنعاس لقد نامت ما يتجاوز ثماني الساعات 

و لم تكتفي 

"أحتاج إلى القهوة  " 

قالت في نفسها 

فتحت عيناها ما أن شعرت بوجود حركة خلفها تماماً 

حيث المطبخ 

"صباح الخير أيتها الكسول" 

كان ليلي المرح مفعماً بالحيوية 

مناقضاً تماماً لعينيها البأس متألمة 

ألم لم يسمع أو يرى 

أُجبر على الخفاء فداءً

في سبيل الإستمرار  

"ليس عليكِ بالتظاهر يا ليلي "

كانت رسالة بصرية تلقتها ليلي من صديقتها 

رسالة أصرت على تجاهلها 

تجاهلاً مؤلم 

لم يؤلم إلينا على وجه الخصوص أنما لفقهها ما يحمله من ألم

فأحيان يكون التظاهر بالصمود و القوة درعاً أمام خوف و عجز يتوسط أعماقنا

تعلم يقيناً مدى خوف ليلي من تكرار التجربة بأي شكل من الأشكال كما أنها تقدر مثابرتها في محاولاتها على التخطي لكن لا تشجعها على الكتمان ألمها 

فإن أول خطوات التعافي هو البوح و أن نتقبل و نصرح عما مضي فالشيء المعلوم تدركه الأبصار 

فبعض الجروح دواءها ينبع من داءها 

"صباح الخير ليلي "

وضعت ليلي القدح أمام إلينا و توجهت نحو المقعد المقابل لها  

" ستذهبين الى العمل؟ "

وجهت إلينا سؤالها  بعدما لحظة إرتداءها إلى بدلة النسائية 

أومأت ليلي إيجاباً قائلا 

" ليس تماماً..  لكن سأسلم التقرير ثم أتوجه الى محطة تلفزيونية *** فقد تمت دعوتي من طرف صديقتي للحضور إلى  الحلقة "

إحتست إلينا قهوتها و قد إيدت ما صرحت به

مررت عينيها في أنحاء المنزل الهادئ ثم شرعت قائلة 

"أين إيلا.. ألم تستيقظ إلى الأن "


" لا...  ذهبت إلى البقال لشراء بعض اللوازم"

" حسناً"

كان جواب هادئ من إلينا ثم شردت قليلا

لا تعلم كيف تصرح بالأمر 

بالأخص بعدما حدث 

لكن عليها بذالك 

" تحدث مع طارق ليلة أمس.. سيعود غداً " 

أدركت أنه أزعجها الأمر من تغير ملامح وجهها رفضها لا يحتاج إلى حروف ليصاغ 

لكن هل كل من في العالم حظيا

بقصة حب ختامها زواج؟ 

بطبع ليس كذالك 

فلم عليها هي الإنتظار  إن كانت واثقة أنها لن تخدله أبداً ولن تتخلى عن صديق طفولتها 

إلا تكفي الثقة و إخلاص في العلاقات لصنع زواج  هادئ و سعيد 

ليت صديقتها  تدرك 

إن الحب ليس كل شيء 

أكملت إلينا الحديث دون أدنى إهتمام لإنزعاج ليلي 

" سأذهب إلى المستشفى من أجل توقيع للإجازة و توزيع الدعوات الزفاف " 

همت ليلي في الرد لكن أوقف صوت قلقلة المفاتيح و دخول إيلا تسعل بشدة جعل من كلتيهما تندفع نحوها بسرعة 

" ماذا حدث؟.. هل أصابتكِ النوبة مجددا"

تحدث إلينا هلعاً على شقيقتها الصغرى بينما حاولت ليلي المشي بسرعة قدر ما أمكنها لإحضار بخاخة الربو 

بينما أنفت إيلا سؤال  أختها الكبرى مشيرة إلى ليلي بإن تتوقف عما تنوي فعله و قد إمتثلت لها 

"لا لم يحدث ذالك.. فقط مجرد سعال "

تحدثت إيلا  بعد إن هدءت و توقف سعالها و قد قدمت لها ليلي كأس ماء دافئ

إبتسمت إلينا ثم مررت يدهاعلى خصلات صغيرتها قائلة بنبرة إختلط بها الحنان و الحزم 

"عليكِ الإنتباه إلى نفسك جيداً..حسناً "

أومأت إيلا ببسمة ودودة 

إرتسم مثيلها في شفتي ليلي 


••••••••


تفكر و تفكر ثم بعد عدة دقائق تعود إلى التفكير 

هل يجب دوماً الخضوع لحتمية القدر أما إن القدر يجيد التكرار هل علينا إتباع خُطى ظلاً بقايا من الماضي 

ألا يوجد سبيلاً مغايرً 

لم هذه الطرقات وعرة صعبة السير 

إلى هذا الحد 

ألا يمكن لها إن تكون سهلة خالية من المطباة 

هل هو أمراً مستحيل

ألقت قلمها مجددا و أبعدت تلك المخطوطات العمرانية من أمامها بعنف وقد فشلت في الرسم منذ الولهة الأولى قبل ثلاثة ساعات كفشلها في إقناع والدها خلال ثلاثة سنوات 

إقناع شخص ليس بتلك الصعوبة 

و خاصة لمدار ثلاثة عقود 

كل ما في الأمر هو التلقي و الإستقبال 

لكن إن كنت أمام شخص كوالدها جاحد في الإستماع قاسي في القبول لايسمع إلا لنفسه و لا يقبل أمراً إلا إذا إنصبَ في منافعه و دوافعه 

والدها المتجبر يقف أمام كل فرصة لحياتها الشخصية قد تعارض خططه المستقبلة 

ليته خصص نصف سعيه لسلطة و مكانة العالية لكسب لمن يحملون دمه و جزءً من روحه 

ليته إنصف و إستمع لها 

ليته إحترم مشاعر و بحث عن مصدر سعادتها و راحتها 

إن علاقتها بوالدها تبدء و تنتهي في ثلاثة حروف 

' ليت  '

طُرق الباب و دخل شاب في مقتبل العمر 

"صباح الخير حُلوتي"

بإبتسامة عريضة ألقى كلماته

ردت له عائدة  التحية بنفس البسمة بينما إنحناء كنان يحمل تلك الأرواق بيضاء عرضة الشكل من على الأرض 

" أرى أنكِ لم تتمكني من الرسم "

حالت نظرته بعيد عن تلك المخطوطات العمرانية ثم إنتقلت إلى عينيهاوقد لمعت نظرة شقية في عينيه مستمراً في حديثه بغية إزعاجها أكثر مما تبدو عليه 

و من غير يستطيع فعل ذلك سوى.. 

" تعلمين إن أخي لن يتساهل معكِ لذا عليكِ.... "

قلبت عينيها بملل وإزداد إنزعاجها ضعفً 

منعته من مواصلة تلك الجولة من حوار غير السارة 

"أعلم ذلك  "

صمتت قليلا ثم أكملت بوتيرة ضائعة 

" أنا.. أنا فقط مشتته قليلا"

سار كنان إلى أن إستقر في ذلك المقعد المقابل لها 

متسائلا بفضول 

" في ماذا؟ "


 أصابها الخوف فجأة من مجرد فكرة و قد بلغ ذلك الى نبرتها المهتزتة 

"أرغب في الحديث مع والدي " 

إعتدال كنان في جلسته بإضطراب و قد إعتلته ذات الإضطرابات 

"فيما يخص؟. "

 


  نفضت رأسها يميناً ثم يساراً 

متظاهرة بعدم اللامبالاة 

لم تمتلكه قط 

"دعك من ذالك.. أ لن تذهب إلى الجامعة اليوم؟.  "

غيرت دفة الحديث بسرعة تلهي الكائن الفضولي  الجالس أمامها

  ريثما تنهي الأمر مع والدها 

لعل يحدث بعد ذالك أمراً

عاد و إرتخى في جلسته مجددا 

قائلا بملل نافياً 

"لا.. لن أذهب...لدي بعض الأعمال الخارحية مؤجلة  "

نهضت تجمع الأوراق في الحافظ المخصصة لها 

تحاوره بهدوء 

"حسناً "

ألتوي إبتسامة مكرة حول شفتيه 

و قد عاد الى سيرته الأولى متعته في إزعاجها 

"لن يعجبه هذا  "

عقدت حاجبيها في تسائلا صامت فأشر نحو الاوراق التى تحملها بين كفيها 

نظرت نحوها بشرود  و بنبرة غامضة خاطبت بها كيان يجهله جليسها كما يجهل فحوا كلماتها 

"لا بأس في محاولة أخيرة "

أكملت جمع أغراضها 

ثم قالت بعجالة 

"هيا دعنا نذهب "

فرصة خفية  أخيرة تمنحها الى والدها لعله يستمع لها 

لربما ترمم  ثقوب أخلفها الجفاء 

فرصة أخيرة 

مابعدها فليحدث 


••••••••• 


خطت بخطئ بطيئة و غير متزنة نحو ذلك الجرف الجبلي 

حيث تستطيع رؤية  الغابة الكثيفة من علوه الشاهق 

علواً يمنح أطلالة ساحرة للمكان 

إلا أنه لم يسحر بصرها جمال المنظر الخلاب 

و لم يخفق قلبها فزعاً لحدة الجرف و خطورته 

فبعض المشاعر القادمة من ألم ذكرى في الماضي 

تلغى الغرائر الانسانية 

هل لها أن تخطى خطوة أخرى 

لعلها تيقط تلك الأحاسيس الناتجة لطبيعة البشرية 

ربما تنهى بها ما أفسده القدر حينها 

أو تسكت أنين عاجز قد أصابه الشلل في معجم الكلمات 

و مسه وهن أفقد القدر عن التعبير 

أو ندماً لم تصفه الأعين و إنصاف لم يدرسه البشر بعد. 


لقد مرت خمس سنوات منذ أخر مرة وقفت في هذا المكان 

لم يكن المكان سابقاً بالغريب بل ملاذها و سر عزلتها 

كان رغم بعدهُ الأقرب لها في خلوة بذاتها 

و رغم تشوه حجاره الحادة و عشوائيتها كان هو الكمال في بصرها 

هل غدا هو نهاية سلام الروح و بداية الحرب مع الذات 

هنا تماما قد كان مقبرة لكل ماهو جميل 

العيش,التفائل ,الجنون ,الحب 

وأقساهم الفراق كان لـ نفسها و ذاتها 

انها تقف أمام قبرها هل عليها الدعاء او البكاء. 


فردت يدها تستقبل دفعت هواء باردة تحمل رائحة الأترابة المبتلة 

عادة كانت لها سابقاً 

حركة بائسة صدرت من بقايا نفسها 

علها تعيد ما مضى 

ربـاه!..  كيف أضحى المكان بهذه الوحشة 

لم تمنحه أشعة الشمس إي تنمق و لم تحمل الرياح التربة متراكمة لعقود 

لعل حمل مامضى أمراً مؤلم حتى لرياح 

أم أن عيناها تموت الحياة بينهما فترى كل ما يقابلها أسود عاتم كئيب 

رنة هاتف إنتشلها من ظلمتها 

كان المتصل صديقتها 

لقد تأخرت كثيراً فقد مر الوقت سريعاً

ياألهي كل ما هنا قد تغير 

سوى تلك الميزة 

فتحت الإتصال بعد الرنة ثانية فندفع صوت صديقتها الغاضب

"أين أنتِ ليلي؟ "

لا تعلم لم لكن قد أحكمت غصة بكاء بلعومها ودت لم تصرخ أنها في قبرها تحت تربة ااندم و خدلان كان لتلك الغصة تأثير قوي على صوتها فخرج ضعيف يحمل نشيج ألم و كتمان لم تسمح له طِوال خمس سنوات الماضية في الظهور 

و هل تسمح له الأن 

يا السخرية 

"سأصل خلال ساعة زهراء... لا تقلقي  "

كان عليها هي القلق و هي تقف مع حضرت الذات تخبرها أنه قد مضى خمس سنوات عن جنازتها و اليوم فقط تحمل لها الخبر.. 

و لكن يبدوا أن صديقتها لم تكن في وضع المناسب حتى تتمكن من ملاحظة صوتها الغريب فقد عج المكان بمتخصيصين المكياج و الألبسة من أجل البث 

" حسناً ولكن أسرعي قليلا فقد تبقى نصف ساعة لتصوير الحلقة "


أغلقت ليلي الخط بعد منحيها الوعد لذالك 

نظرت نظرة أخير تودع المكان 

وداعاً ودت لو منحت مثيله لتلك الذكريات 

إلتفت لتغادر تلك الحافة حتى إندفع صوتاً تحفظه عن ظهر قلب تميزه بين الألاف 

"مهلا...مهلا  ماذا تفعلين.؟ أجننتي؟ أتودين الإنتحار أيتها المجنونة؟   "

إبتسامة بألم ولم تلتفت لن يكون هناك داعي لذالك 

فما خلفها إلا الحافة تلاها فضاء و فراغ تعلم علم اليقين أن لا أحد خلفها و ما تردد من صوتا لهو صدى لصوت صدر من عمق رأسها المكتظ بذكرى تشبه ذلك الصوت 

أغمضت عيناها و أجابت إجابة تمنت لو أدركتها مسبقاً 


"ليتني كذالك..ما كان عقلي المصاب بالجنون يأذن لقلبي لكي يتسع لكَ "


أكملت سيرها العاجز و قد تضاعف بطئه لوعرة المكان 


•••••••


حقاً كم هو أمر متعب لشخص عزول عن العالم قليل الكلام 

أن يتحاور مع ما يزيد عن ثلاثون شخص أن يتلقى كل ذالك الفضول و الأسئلة دفعة واحد التى صبت في جواب واحد يتكرر كل مرة  تسأل الامر أشبه بشريط قديم أصبه التلف كما أصبها هي الملل من ذالك. 

تقدم  تتجه نحو تلك الفتاة موظفة الإستقبال في قسم الإستعجالات

حتى تمنحها دعوة الزفاف الخاصة بها فقد جمعتها بعض الأحديث و الحوارات بينهما 

و ما فعلت ذالك حتى إنهال وبل من التهاني و الأسئلة الخاصة عن زوجها المستقبلي 

الحق يقال أن الأمر لم يحدث مع االجميع فإن ذالك يحدث مع كل شخص فضولياً و ثرثار و على 

ما يبدو أن تلك الفتاة تمتلك تلك الصفات 

إبتسمت إلينا تودعها بعدما إنتهت من كل ذالك 

و ما أن خطت خطوتان تبتعد بهما عن مكتب الاستقبال حتى إندفعت ضحة في المكان وقد دخلت بعض الممرضات تركضن بجعالة و جوارهن الطبيب يجرون السرير الذي يرقد فوقه المصاب فاقداً الوعي بينما يتبعهم رجلاً طويل ضخم البنية ذو بدلة سوداء بدا كحارس شخصي يتحدث بإرتباك و سرعة خلال الهاتف 

حاولت اللحاق بهم للمساعدة  

لكن نادها ممرض يستعجلها وقد وصلا مصاب أخر لحادث سير خطير 

ركضت نحو بينما يبلغها الممرض بمدا خطورت الاصابة 

إبعدت حشد ممرضات من حوله 

حتى تبصره جيدا 

و ما إن وقع بصره على طريح الفراش حتى تجمدت مقلتها و تيبست أطرافها و قد إختفت كافة الأصوات من حولها و أصدرت إذناها صفير مزعج وهمياً 

رعشة خفية مرت على سائر جسدها كأنما دفعة من الهواء البارد باغتتها فجأة و هذا ما جعل الممرضة المجاور لها تتفظن إلى الحالة الغريب التى أصبتها 

على حين غرة 

نادتها عدة مرات لكن دون إجابة فدفعتها قليلا علها تستجيب 

و كان لها ذالك 

شهقت إلينا بقوة  تنظر نحو ممرضة بذهول و صدمة ثم حولت بصرها  بسرعة نحو المصاب و زاد شحوبها و لمعة عيناها بدموع 

بدا و كأنها تبصر أفضع ما قد يحدث لها 

فهناك عقول بشرية تمنح أملا وهمياً بإن ما يحدث مجرد حلم نعيشه أسلوب وقائي لنهروب من الواقع لا نستطيع تقبله و التعيش مع حتمية  فرضياته 

و هذا ما حدث فقد كانت كل حركات جسدها تنبئ برفضها لما تشاهد و تعيشه 

زاغت عيناها و مدت يدها المرتعش نحو وجنتاه  الدامية تتلمسها برهبة 

فرغم كل شيئ عليها اليقين من ذالك 

و ما إن إصطبغت أناملها بدماء حتى عادت الى الخلف بسرعة 

كل شيء كان حقيقي و اقعي 

هزت راسها رفض لم و لن تستطيع تقبل ذالك زاد السود من حولها و لم يستطع عقلها المقاومة أكثر 

و كل ما إستطعت فعله سوى تمتم ضعيفة تلفظ إسمه بألم 

"طارق "

ثم سقطت أرض فاقدة للوعي 


••••••••••


توقفت سيارة الأجرة أمام المحطة التلفزيونية و قد أصطحبتها موظفة الإستقبال إلى حيث يتم التصوير و على ما يبدو أنها لديها أمر لفعل ذالك من طرف صديقتها زهراء 

سارت خفية عن الأضواء و مكان كاميرا التصوير تجنباً لظهورها خطاءاً 

إتجهت نحو المكان المخصص لها في المقدمة بعدما أشارة الموظفة لها في الوقت السابق 


جالست بهدوء تشاهد العرض لكن فجاءة ومضة عيناها بلمعة خاطفة و صلبت كل أبصارها نحو الضيف ذلك الرجل صاحب البذلة السوداء ذو الهيئة البالغة التهديب تفوح منها الثراء و التقدير يجلس يتحاور مع المراسلة بثقة ناسبته جداً  

هل نفذا العالم من هواء فجاءة أم أن قد ضاقت القاعة و نحصر الجدران حتى بات منفذه صعب 

او أن إختفى الوقت و نسي البشر أن يحصي الثواني و دقائق من بعده 

فتوقف كل شيء بعد أن إختلا نظامه و إتزانه 

ياإلهي!!  نظرة واحدة خصها ذلك الرجل بها حتى تملكها العجز و عدم القدر في التحكم بنفسها ليس معنويا فقط فيزيولوجيا أيضا 

لا تستطيع التحرك أبدا عليها التصرف

لم تكن نظرة عابرة منه بل لاحظها و على ما يبدوا على ملامحه أنه يعيش ذات الذهول و الدهشة 

عليها الفرار بسرعة 

و ما أن ترجم عقلها المتيبس ذالك

حتى أسرعت بقدر ما يسمح لها قدرتها على الفرار 

لقد إخطأت ما كان يحب البقاء 

كان عليها الرحيل منذ الولهة الاول 

لقد لاحظها 

ضاقت أنفاسها و إضطربت معالمها و بيضة شفتاها عبرت البوابة الرأسية تسير على  الرصيف

"ليلي  " 

إندفع صوته الملهث من خلفها وقد تجمد كل ما حولها و لم يبقى أي معنى للحياة سوى ذلك الأخرق صاحب الدقات الصاخبة 

في هذه اللحظة و في هذا المكان تمنت لو كان مجرد صدى صوت صادر من عقلها 

يا ليته خيال 

يالأسف ماكان نقمة سابقاً

أصبح أقصى طموحتها الأن

تجهلته و أكملت سيرها 

أعاد نداءه مجدادا   مهرولا خلفها يحاول اللحاق بها. 

بينما هي حاولت السير بسرعة قدر الأمكان وقد راودها أحداث ذلك اليوم من جديد وتضاعف الأمر لعجزها على السير 

تباً له!!..

أ هو ختام كل ما يحدث لها؟؟ 

أ يكون العجز أخر شعور يصحبها في كل مرحلة في حياتها؟ 


إمتلاءت عيناها بدموع ما أن توقف أمامها يمنع سيرها لأمام 

و يحجب عينها عن الرؤية سواه هو تماماً كما كان يفعل سابقاً

إعتلت إبتسامة نصر ثغره و قد حمل صوته شعور إزدواجي من عدم التصديق و البهجة 

" لا أصدق... أخيراً... ليلي هذه أنتِ "

إنعقدت حاجبيه إستغراب من تجمد نظراتها وقد إحتقن وجهها بدماء و إترتجفت أطرافها 

بدى و كأنها تواجه أمرا أو تكتم ألم 

و لخاطرة أنها ربما تتألم 

إندفع بهلع نحوها متوقفاً في منتصف ما قد عزم على فعله بعدما رفعت يدها تمنعه من لمسها 

إنحنت برأسها تحول جمع الهواء قدر الامكان  بعدما تقلصت رأتاها فجاءة 

مررت يدها فوق قفصها الصدري تخخف من إنقباضه المفاجئ 

"رباه!!.. ماهذا؟! "

حدثت نفسها بعجز يبدوا أن الأمر أصعب مما تظن وقد زادت دموعها المنهمرة سواء الموقف و تناثرت صورة المرأة القوية الصامدة لمدار خمسة عقود في أول نفخة هواء باردة قادمة من الماضي 

إعتقدت أنها دفنته و ودعته منذ سنوات 

لم ترفع رأسها خشية رأيته لعجزها

إلا أن صوتها الضعيف الهاش أفسد الأمر إنها تجهل كيف إستطاع سماعها 

"لو سمحت.. إبتعد عن طريقي  "


"ليلي.. أنا فقد أرغب في.... "

حديثه بتلك البساطة و الهدوء كأن شيء لم يحدث و وقفه أمامها دون شعور بأي ذنب أو ندم 

ألهب غضبً مكث طويلا داخلها 

فخرج صوتها قوي محموم يكتم صرخة إمراءة جُرحت في كبرياءها

بينما عينيها تلونت عدة مشاعر من النفور و البغض 

رفعت رأسها تنظر إليه تدفع تلك الأحسيس دفعاً نحوه

تحدثت قائلة 

"و أنا لا أرغب بفعل أي شيء معك "

جمده الموقف لولهة 

تلك المشاعر تلك النظرة يقسم أنه يرى نعشه منصوباً بين عيناها 

هل إنتهى كل شيء؟ 

هل تأخر إلى هذا الحد؟. 

أيقظه من تيبسه صوت رنين الهاتف لمرته الثانية على توالى 

فقال في عجلة من أمرهِ يمنعها من العبور بعدما لاحظ ذلك

"إنتظري لحظة..رجاءاً " 

ثم فتح الخط ردا على ذلك المتثل المُلح. 

إبتسمت سخرية من نفسها لمس رجاءه جزء من روحها

هل تضعف مجدداً؟. 

حتماً لا. 

إستغلت ذهوله المفاجئ و أكملت سيرها و هذه المرة لم يلحقها على ما يبدوا من ملامح الذهول أنه تلقى خبر سيء جدا

منعه من اللحاق بها 

و هي حقاً شاكرة لذالك. 





•••••••••••








بعض الأحيان يتمنى المرء أن ما يعيشه في حلمهِ 

واقـعاً

وما يحياه في واقعهُ

حلـم 

نكتة سخيفة يألفها العقل البشري 

فرار من الواقع 

وعلى غرار ذلك للإنسان الحق في الهروب من كل شيء و أي شيء 

سوى شيئين 

الحقيقة و الموت 

الوجهان الاساسيان لعملة الحياة 

مع ذلك يصيب المرء طمع النفس

فيطمح الى الفرار من كلتاهما 

لربما لصعوبة تحملهما او صدق حدوثهما 

فإن مرارة تقبلهما يجعل من الإنسان العاجز غير قادر على الهروب يلجاء إلى النسيان فحقيقة واقع نخشاه و موت الأحبة 

يجعل منا شخص لحوح في طلب النسيان 

لأن لحظة واحظ فاصلة قد تغير مسار سلكته لعقود و دون سابق إنذار يصبح ما تعرفه يقيناً هو المجهول المريب!. 


سقط الضوء أبيض على عيناها الفيروزية فأغلقتهما مجددا 

أين أنا؟؟ 

ماذا حدث؟؟ 

حدثت نفسها بإرهاق و إستغراب 

جولة بسيطة من خلال عيناها للمكان أدركت أنها في أحد غرف المشفى 

لماذا هي هنا؟. 

و كيف... 

توقفت في توجيه الأسئلة لذاتها 

ما أن تسربت صور لوجهه المملؤ بالدماء و خطورة وضعه الصحي الى عقلها 

" طارق" 

صرخت مندفعة بتهور تهجر مضجعها و تنتزع إبرة المصل بقوة

من يدها 

يجب الإطمئان عليه أولا و معرفة ماحدث له 

أسرعت نحو  موظفة الأستعجالات

تسألها.بلهث و تلعثم 

"المريض... أ أقصد المصاب...طارق  "

فهمت الفتاة ما أرادت قوله لشهودها ما حدث لها منذ سويعات 

"نقل إلى غرفة العمليات رقم 4 "

غيرت إلينا إتجاهها 

  نحو ما أأرشدتها

و ما أن وصلت حتى وجدت الطبيب نديم يخرج من غرفة العمليات بملامح وجه لم تسرها البت 

كان صوتها العاجز يحمل رجاء في تخيب ما توصلا له عقلها 

"نديم؟ "

حركت رأسها رفضاً

بعدما كسر عيناه أسفاً و جزناً

أنكأت على الجدار ترفض ما توصلت له 

لكن صوت نديم المتحدث أعاد البهجة الى ملمحها الشاحبة 

"لازال على قيد الحياة..لكن.. "

عاد الامل يصطحبها نحو تفائل من جديد

أستقامة بسرعة  تكرر كلمة الاخير 

بتسأل مبتهج

"لكن...؟ "

دحرج عيناه بعيد متفادا تلك لمعة التى ظغت في عيناها فجاءة 

" لقد توقف الدماغ... بعبارة أخرى مات الدماغ"

ياألهي!!... 

لا يوجد أسوء من هذا 

هل؟؟.. هل؟... 

كتمت شهقتها قسرا و نزلقت على الجدار إلا ان جلست على البلاط الباردة تبكي قهراً و ألماً

على ما أصاب صديق طفولتها و صباها 

زوجها المستقبلي 

أيعقل ذالك...؟ 

أيعقل أن تكون الحياة 

  عديمة الشفقة 

إلى هذا الحد 

  



   O. B.                              


ــــــــــــــــــــــــــــــــ 

أحيانا لا تكون الكارثة في ما فقدناه بل في ما سينتزع منا لاحقاً 

ـــــ 

تعليقك ولو بكلمة واحدة قد يصنع فراقاً كبيراً بالنسبة لي 💮💛

ما هو رأيك؟... 







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل 1الجزء الثاني " أحبيني أنا وليس قلبي "

 أتي الصباح اليوم الباكر  أشرقت به أشعة الشمس رغم كل شيء  أشرقت إشراقة محت كل بقايا ليلة باردة كئيبة مظلمة حيث إستقر عمق دمسها في قلوب مجهدة...