الأحد، 21 ديسمبر 2025

الفصل الاول 1" أحبيني أنا وليس قلبي "

 أين يُباع النسيان، أين أجد ملامحي السابقة، وكيف لي أن أعود إلى نفسي. 


- محمود درويش 📚.













•••••••••••


أسرعت تركض بأقصى سرعة ممكنة تحاول اللحاق بأقل وقت أمكن

وكل برهة تعتذر بتعثر لكل من تصتدم به في غفلة 


أصدر حذائها الابيض الناصع صوت إحتكاك جراء الانعطاف و قد إستندت كفها إلى الجدار الجانبي تدفع به جسدها للخلف منعاً للإصطدام. 


دفعت الباب بقوة إلى أن إرتطم في الحائط مصدر صوت مفجعاً و على رغم ذلك إلا أنه لم يزعج تلك الغافية على الاريكة بهدوء و سلام ظاهري متنافيا مع تجعد ملامحها الداله على سوء رؤياها. 


خطت نحوها تهتف بلهفة

" أيتها الطبيبة.. "

تقدمت خطوتان إلى الأمام تدفع كتفها برفق 

" أيتهاالطبيبة رجاء إنهضي.... استاذتي .. ". 

زادت من دفعها بقوة لينه

" أيتها الطبيبة... إلينا" 

صرخت بإسمها بقوة لعلها تستفيق 

و قد كان لها ذاك و قد إندفع جسد إلينا إلى الأمام تشهق بعنف تحول إجتذاب الهواء قصراً إلى رئتاها.

بينما تعمل يداها على إبعد خصلتها القمحية اللون مررت عينها الضائعة في أرجاء الغرفة تدرك في اي مكان تتوجد فيه الأن.

اغمضتهما ببطئ بينما تمسح قطرات العرق الراسية على جبينها و قد إبتلت غرتها. 


إنحنت الممرضة تمرر يدها على ظهر بتأني 

خطبتها بلطف و هدوء

" لابأس... لقد مضى" 

فتحت إلينا عيناها و إرتسمت ابتسامه مجهد على شفتاها جلعت من أنيستها تتسأل

" ماذا حدث هل كان حلم سيئ؟ " 

هزت رأسها نفيا تضغط أطرافها على حافة الأريكة. 

تنهدت ثم قالت

" بلى كابوس فضيع يشبه الواقع " 


تنهدت ثانية بقوة ووضعت قدمها على الارض استعداد لنهوض

" هل هناك خطبا ما جيداء "

ضربت جيداء مقدمة رأسها بتذكر متحدث بأسف

"اوه... لقد حدث حادث سير فضيع و قد نقل المصابون إلى هنا" 

أسرعت إلينا في إرتداء حذائها

" هيا بنا"

خطبتها بينما تركض بسرعة الى الاستعجالات 

"أين هو الطبيب نديم" 

سألت إلينا خلال سيرها المتعجل تقدمت جيداء الى جانبها تواكب خطوتها السريعة قائلة بلهث

" أنه هناك لقد بحث عنكِ" 

أومأت إلينا بينما شرعت الاخرى تصف بالمختصر سوء الحادث.. 










•••••••••• 









خطت قدماها الى ذالك المقهى الراقى ذو الالوان الزاهية و الأثاث الباهض الثمن أضافة الى أطالته بديعة المنظر مضيق البوسفور أحد أهم 

و أجمل الأماكن الطبيعية و السياحية في إسطنبول 

إلتفت حولها بتوجس تصادر الأعيون ان كانت تلاحقها او تراقبها 

أحكمت لفت الشال حول عنقها تخفي بها نصف وجها بينما النصف العلوي تخفيه نضارات كبيرة و قبعة سوداء 

دارت عيناها بين الزبائن بحث عن ظالتها. 


ارتشف قهوته ببطئ واستمتاع وقد لف عيناه حول رواد المقهى الفخم وقد اخذه بريق الثراء ورفاهية اللامعة من كل مكان هنا 

متسائلا في بأس " ما بال هذا عالم بحق يعطي الحق لغير المستحق 

فرغم تلك رفاهية والحال الميسور لاصحاب طبقة مخملية الا انهم لايتسمون ابدا بالرضى وقد كسى التذمر وتمرد على حالهم 

حيث يضنون انهم بأسوء حال فقط لانهم لم يجدوا شيئ ينفقون عنه اموالهم 

يالا سخرية!... 

صوت ضحكة ساخرة فلتت منه عنوة 

وتلك متمردة صغيرة صاحبة قرارات متسرعة لاتختلف عنهم بتاتا فدائما ما تستاء من معاملة والدها القاسية وجافة لكونها ابنته الوحيدة فطبقا لقوانين حياة الاسرية فاحشة ثراء ان يكون دلال للفتيات وعلى وجه خصوص ان كانت فتاة وحيدة في عائلة كحالها

وليكن..... لايهم

فإن ماله يشفع له ولو كان هو في موضعها لرضى واستسلم وحتى وان تم استعباده 

يكفيه كل ذلك ثراء وغنى حتى وان لم يعجبه طباعها مدللة 

الا انه وقع في حبها في وقت كان يسعى فيه الى وقوع على سلطة في مالها 

ومن يخدع كانت اولى خطواته نحوها هو تمتع بمالها وثرائها 

لكن في غفلة منه ودون ادراك وجد نفسه غارق في ظلمة حبها معتق بذنب سوء بدايات 

هز اكتافه بلا مبالاة

وليكن... 

فقد اكتسب امرأة ومال 

ومن الاحمق الذي يرفض ذلك 

الامر اشبه بجائزة مضاعفة 

ارتفعت ابتسامته تهلل ما أن لمحها تخطو الى المقهى رفع يده إلى الاعلى ينبهاها بموقعه داخل هذا المقهى الشبيه بالمطعم اكثر من كونه مقهى للقهوة وشاي وبعض الحلوى أو المقبلات عاد الى جلسته المرتاحة فوق تلك الاريكة بينما تقدم أيدا نحوه بقلق وإرتباك ملحوظ رغم تخفيها 

حرك رأسه بيأس وان لم يلاحظ احد تنكرها الا أن حركاتها القلقة تلتف انتباه الكل وإن يكن الامر لا يعنيهم 

سحبت المقعد المقابل للاريكة الجالس بها بينما نظر سليم نظرة خاطفة الى ما حولهم وقد لاحظ توجه الانظار حولها إن مظهرها الغامض الشبيه بقاتل متسلسل في مهمة خلال وضح النهار سحب انظارهم نحوها اعاد بصره لها مجددا ومد يده الى القبعة ساحبا اياها ثم الى نظاراتها الخافية لعينيها الزرقاء اللامعة كالحجر الكريم نادر تعرض لاشعة شمس

الذهبية فلمعت بوضوح تسلب الانظار... كما سلب لب جليس امامها 

زمجرت بستياء 

" سليم ماذا تفعل؟ "

سألته بتذمر

 اختطفت القبعة بسرعة بعدما وضعها على الطاولة ثم اعادتها الى سابق عهدها 

" عزيزتي تعلمين ان هذا يلفت الانتباه اكثر شيئ "

خاطبها بينما يرسم دوائر حول وجهها في اشارة منه لشكلها 

" ولولا هذا لما استطعت مقابلتي " 

اعادت اشارته حول وجهها اثناء حديثها صاخب 

زنفرت بسأم ثم قالت 

" حسناً حسناً... وماهو الامر المهم الذي من اجله اردت مقابلتي " 

وبحماس شديد واسندت كلتا يداها على طاولة. 

امسك يدها وابتسم بكل ود وحب 

" الا يمكن ان يكون اشتقت لحبيبتي " 

سحبت يدها بسرعة وارتباك ملحوظ ثم حذرته مجددا بينما زنفر سليم بسأم وارتخى في جلسته بملل 

" الى متى سنستمر في هذا أيدا" 

تدرك تماما ان الامر صعب 

ان تكون في علاقة لمدة ثلاث سنوات دون ان يمكنك التسكع او البقاء لمدة ساعة مع خليلتكَ... 

ان الامر يصيبك بالملل. 

لاتلومه ابدا تقدره على صموده ومثابرته في ابقاء هذا الحب في طور الانعاش 

ولكن لاتشجعه بتاتا على تقهقره واستسلامه في خطوة للامام في تلك العلاقة معقدة. 

تنهدت ثم قالت جملتها الشهيرة لمدار سنتين تنهي بها ذلك نقاش العقيم 

" تحدث مع ابي يا سليم... تقدم لخطبتي مجددا ". 













    ••••••••••••••












نزعت قفازتها البلاستيكية الملوثة بالدماء ثم فتحت صنبور الماء لمغسلة اليدين الخاصة بغرف العمليات. 

إسندت حول حواف المغسلة متنهدة بتعب. 

ثلاث عمليات جراحية في يوم واحد وقد تجاوزت الواحدة منهما اربع ساعات. تعد الوقت منتصف الليل 

ومازال هناك وقت طويل لطلوع الصباح 

وعليها العمل كل تلك ساعات مع هذا التعب وارهاق 

انهما يومان دون راحة او نوم فأكثر مدة حضيت بها على قيلولة لم تتعدى ثلث الساعة. 

شعرت بيد فوق اكتافها بينما انساب صوته بهدوء من جانبها 

" تبدين متعبة؟! " 

مسحت وجهها تبعد غرتها عن جبينها ثم زنفرت بتعب شق طريقه حول ملامحها رغم انكارها 

" ليس كثيرا يمكنني صمود قليلا "

التفتت له ثم منحته ابتسامة مجهدة عنوة عنها 

" احتاج الى فنجان قهوة مرة " 

تحدثت مجددا 

بسط يداه امامه بنبل وقال

" دعينا نذهب الى مقهى المشفى في الاسفل " 


تأوهت براحة واستمتاع بعد اول رشفة قهوة تذوقتها وقد زال بمرارة ذوقها رواسب التعب وارهاق وعادت تنشط خلايا عقلها الخاملة واندمجت كليا في تلك الراحة الوهمية التي منحها عقلها مؤقتا بعد تعرضه لتوتر وضغط استمر يومان كاملان. 

تنحنح نديم ثم بدا جولة اسئلته بتردد ملحوظ 

" لقد سمعت انكِ طلبتِ إذن اجازة لمدة شهرين... لما؟ " 

تغلغل سؤاله في خلايا عقلها المستريح وقد عاد ذلك صوت الذي يخبرها بحقيقة المشاعره نحوها وان لم يبح بها 

ليست عمياء مجردة من احاسيس كما اعتاد البعض مناداتها او انها دون رحمة 

لكن انها تبغض مشاعر الحب جُملة بل الحب بوجه الخصوص 

هو صورة مشوهة ذو جروح بالغة عجزت الحياة طوال تلك سنين في تجميلها وتحسينها 

لهذا تغلق كل الابواب

التي تؤدي اليه....

 الى الحب. 

حتى وان كان الباب الوحيد الذي يتيح لها عبوره لتتقدم في الحياة لكانت فضلت العزلة عنه 

انها تبغض الحب.....

جالت عيناها في ملامح وجهه البشوش ذو الابتسامة الهادئة التي تتناقض مع عيناه سوداء المحدقة للحياة دوما بالغموض تجعل من الانسان الفضولي يسعى حول هذا الغموض 

لقد شواه هذا الحب روح الصداقة التي كانت تطوف حولهم منذ ان كانا يدرسان معا في كلية الطب و إنتقالا من أنقر الى إسطنبول للعمل معاً 

" الينا... " 

نطق اسمها بقلق وتعجب ينتزعها من شرودها وعدم اجابتها. 

اعادت ترتيب الجمل داخل عقلها ثم صاغتها بالطف اسلوب امكن تجنبا لجرح مشاعره

واحترامً لصداقة الباقية بينهما.... حتى الان 

" تم تحديد موعد زفافي..... بعد شهر من اليوم تحديدا " 

ثم اضافت بمرح حاولت خلقه داخلها اولا قبله 

" انت اول المدعويين افتخر بهذا ياصاح"

اغلقت بابً اخر امام هذا الحب وبدا ذلك واضحا من عينيه التي ذبلت وعلا البأس شديد حولهما وكأنهُ سلبتَ الحياة فجأة من امامه دون لحظة ادراك. 

وغامت من حوله هالة من الحزن تستشعرها دون ان تدرك خبايا الحكاية. 

اشفقت على حاله كثير بينما يحاول جاهدا لرسم ابتسامة سعيدة مبتهجة فشلت مع اول ظهور لها 

" حقاً!... ليكن زواجاً خيراً ومحمود " 

ارتجفت شفتاه وفرت عيناه تلوح في الافق هروبا من نظرتها المشفقة وقد اعلن جسده عصيان ففر مسرعا يلقي بحجته البأسة ولذ بالفرار يحاول جاهدا البقاء على الصمود و الثبات يليق بطبيب جراح ماهرا لا بطفل صغير لايتجاوز عمره ثلاث اعوام سلبت منه حلواه عنوة لم يجد سوى البكاء سبيلا له بينما بقيت هي تتلوى بعذاب ضمير وشفقة على حاله 

ليس هناك من سبيل 

تعلم تماما انها دون رحمة لكن امام الحب تهزم وتتجرد من اي مشاعر الانسانية او اخر

لا ضمير... لا شفقة... او احساس او مشاعر 

ارض قاحلة تماما داخلها لا تنبت بها نبات او تسقى تربة 

عقيمة هذه الحرب 

تقاتل من أجل بقاء الصداقة قائمة بينهما و هو يجاهد من أجل ظهور الحب على حياتهم الأخوية 

رغم كل شيء 

لازالت تعتبره صديق و أخ 

ودعته عيناها سلفاً بينما أكمل سيره في تخادل و كهل ملحوظ 

بدا كشيخً كاهل أثقلتهُ أعباء الحياة 

و أرهقه حملها وحيداً دون عون 











•••••••••










لقد قاربَ الصباح على البزوغ و مازالت جملتهُ تحتل عقلها 

تصدر صوتً مزعج داخلهُ 

كشريط نشرة تلف يعيد الكلمات بإستمرار 

و قد ساعد هدوء و عتمة المكان على ذالك 

إعتدالت جالسة على السرير ذو الأفرشة ناعمة الملمس و زاهية الألوان و المنظر 

سارت بأقدام حافية إلى شرفة الغرفة تحمل كأس مشروب الشكولاطة الساخن بين يديها 

و قد أصبح بادراً من كثرة الإنتظار 

جلست على مقعدها تلف حول جسدها شال أحمر اللون بغيت تصديها إلى صقيع ليالي الشتاء القاسية 

تماماً كقسوة والدها على حالها 

" لن يسمح بذالك أبداً أئدا... هذه المرة سيقتلني والدكِ" 

هل هو بتلك القسوة.. لا أظن ذلك 

تنهدت بيأس ما أن إنبثقت تلك الجملة في عقلها مجدداً 

هو محق والدها القاسي لن يرغب أبداً بإبنته الوحيدة أن ترتبط بشاب ذو الرتبة متدنية إجتماعيا من مستوى عائلتها العريق 

لن تنجب هذه العلاقة إي فائدة لوالدها الذي يسعى لمكانة و مستوى أعلى 

لا يهم ما توؤل إليه الأمور 

إن كان العريس الموعود ذو طباع حدة أو يمل للعنف 

ما يهم أحلام والدها و طموحاته في الحياة 

فحياتها هي دمية يتلاعب بها بما يناسب مصالحه الشخصية. 

عليها التفكير جيداً في طريقة لإقناعه فإن لم يقتنع لن يكون هناك زواجاً البتة 

ولا ترغب في إن يعلم اخاها بالموضوع 

ليست مخافة من ذلك فهي تعلم حنانه و طيبة قلبه نحوها بوجه الخصوص كما تعلم جيداً أنه سيمد يد العون لها و يقف أمام والدهما لكن لا ترغب في إرغامه على تلك المشاكل مع ذلك المستبد خاصة في هذا الوقت العصيب بالنسبة لأخيها 

يجب التحدث مع والدها مجداد مهم كلفها الأمر 

عليها فعل ذلك 

من أجلها أولاً

و من أجل حياتها ثانياً.. 









•••••••









كان الجو شديد البرودة في أول ساعات الصباح الباكر و قد بداء ندفات ثلج البيضاء بنزول بروية و هدوء كئيب لناظرين القلة على رصيف المارة 

وقد خيم ضبابة شاحبة معتمة محمولاً بذرات هواء باردة على أجواء مستغلة عدم ظهور أشعة الشمس بعد. 

أطلقت إلينا بخاراً ساخناً من فمها

تناقض مع برودة الأجواء فشكل دخان كثيف من حولها، بينما شرعت يداها على ضم أطراف سترتها ذو الفرو الرمادي إلى بعضها البعض محاولة بسيطة من جانبها لتدفئة جسدها المتصلب 

إستمرت في السير على الأقدام قرابة خمسة عشر دقيقة بغيت منها للإنفراد بذاتها وقد تعمق شرودها و إزداد رثاء ذات في وصلة من الحديث أطن أذناها بضجيج وهمي لا وجود له من الأساس. 

و كانت تلك آفاتها و علتها منذ الأزل 

عديمة الشقاء و الدواء 

أنها آفة التفكير. 

لقد قاربت على ثلاثين من عنرها يفصل بينهما عدة أشهر 

تسع و عشرون سنة مرت من حياتها في تشتت و تناقض بائن. 

لم تكن يوماً تلك الفتاة مدللة الطائشة عديمة المسؤلية كثيرة الشكوة. 

فقد كانت على غرار ذلك تماماً 

أو لم تحظى بوقت لفعل ذلك 

فقد أدركها النضج مبكراً و داهم على حين غفلة 

لم تتمتع بما يسمى الطفولة 

فتلك المرحلة العمرية من حياتها كانت محملة بمجادلات أسرية و مشاحنات بين والدايها 

فمنذ أن إستقبلت الحياة و أدركتها و هي تشاهد تلك الصراعات القاسية الطافية على حياتهم بين فترة و أخرى 

لم تكن في ظهور دائم لكن يمكنك إستشعر البرودة في التعامل و خلوة الجو الأسري في المنزل يشبه 

الأمر غريبين يعشان مع بعضهما البعض فيمكنك ملاحظة ذلك دون أدنى جهد 

في بدء الأمر لم تتلمس السبب الحقيقي لتلك الصراعات و لكن بعد عام على إتمامها سن العاشرة إتضحت الرؤية 

والدتها أحبت شخص قبيلا زواجها من والدها

ووالدها أحبها فتزوجها 

لاتعلم لم تزوجته والدتها مادامت قد أحبت شخصاً غيره فهي تجهل بعض خبايا تلك القصة 

لكن ماتعلمه حق المعرفة أن والدها لم يستحق تلك المعاملة من والدتها 

القاسية متلبدة المشاعر عديمة الرحمة إنها تشك حقا في قدرتها على الوقوع في الحب 

لم تؤمن يوماً بالأنصاف في الحب 

لكم تبغض الحب 

تكره المشاعر الناجة عنه 

بل أنها تشمئز منه 

كل ذلك نتيجة أفعال والدتها 

لقد كانت شاهد عيان لمعاناة والدها

و توسولته في طلب الوصال والدتها كما كانت ترى خيانتها أيضا 

تعلم أن والدها يدرك ذلك إلا أنه صمت من أجل الحب 

حتى أنه جَسد دور الأعمى في سبيل الحب 

كأحمق بدى و إرتضى في سبيل هذا الحب المسموم 

لا تعلم فيما كانت تفكر والدتها رجل كوالدتها كيف لها أن لا تقع في حبه حنون لين الطبع هادئ يبعث في النفس شعور بالأمان من مجرد وصلة حديث عابر 

كان بطلاً في عيناها 

لطالما كانت إبنة أبيها 

إلا أن ذلك البطل المغوار لم يصمد طويلا أهلكته كثرة الهموم و القهر و الكتمان فإتخد الفراش ملجأ و ملاذ له و عتكفه بعدما حدث 

كل ذلك بعد أن هجرته زوجته و حبيبته تترك خلفها زوجاً محباً و إبنتان تفتقران إلى الرافة و حنان الأم 

كان أنذاك قد بلغت إلينا إثنا عشر عاماً كانت لا تزال طفلة إلا انها تحملت مسؤلية والدها العليل طريح الفراش و طفلة بلغت سنة لتوها لا تعي للحياة شيء تشك في مقدورها على تذكر وجه والدتها بوضوح و رغم ذلك لم يقهرها شيء 

لا تنكر صعوبة الأمر لكن عليها شكر عادة الأنسان الأزلية فالأعتياد 

فقظ إعتادت الحياة دون والدتها. 

إلى أن مر ستة سنوات و توفي والدها كان هذا هو القهر و الأسى بحد ذاته 

الذي لم و لن تتخطه أبدا 

إن ذلك العجز 

أقسى من أن تتحمله بمفردها 

لذالك لجأت إلى والدتها مجددا 

وياليت لم تفعل ذلك 

كم تندم على ذلك حقاً

رفعت يدها توقف سيارة الأجرة تتعجب من وجودها في هذا الوقت المبكر من الصباح و هكذا أوقفت سيل تفكيرها في التوجه إلى تلك النقطةالسوداء. 








••••••••••








ضربت أناملها الرفيعة أزرار حاسوبها المحمول على فخديها وقد إكتسحت تلك الأريكة تتخدها مكان لإنهاء أعمالها الكتابية. 

دفعت نظرتها الطبية نحو عينيها تحسن من وضعها المائل قليل جراء جلستها المماثلة لها. 

بينما ترفع شعرها البني في تسريحة فوضوية جداً . 


تنهدت بسأم و تعب عليها إنهاء ذلك التقرير اللعين

لبدا من ذلك 

و إلا طردت من العمل من قبّل تلك العجوز الشمطاء حدة الطباع متقلبة المزاج و هي حقاً

لا قِبل لها في مواجهتها أو في توبيخاتها و كلماتها السامة 

لذالك عليها إنهاءه الأن و حالاً


توجهت إلى المطبخ تعد قهوة ساخنة لعلها تعيد الحماس و الشغف للكتابة 



نظرت بشرود إلى لونها العاتم تلك القهوة رغم سودويتها و مرها تستطيع مساعدتها في استعادة حماسها و نشوتها ولو لحظات قليلة.

 و في سؤال طفولي منها هل يمكنها مساعدتها في تخطي مامضي من حياتها

مامضي...

ضحكت ساخرة منها 

لم يمضي شيء سوى الوقت 


إستمعت إلى قلقلة مفاتيح ثم تلاه صوت فتح الباب خرجت الى البهوة تحمل القدح بين يديها. 


تنظر إلى رفيقتها تفترش تلك الأريكة بتعب و إنهاك واضح جلست في المقعد المقابل لها 

" إلينا... هل أنتِ بخير؟ "

إعتدلت إلينا في جلستها تقابلها بأعين ذابلة و حزينة لم تخطئ في تشخيصها وبصوت ضعيف متألم تحدثت 

" لقد أخبرتُ نديم عن موعد زفاف ليلي " 

تنهدت ثم ألقت برأسها إلى الخلف تكمل بذات النبرة 

" لم أرغب في حدوث ذلك.. أشعر أنني أنسانة سيء للغاية... تلك النظرة.. "

زنفرت بسأم و ضيق 

" ياألهي.. "

زمت ليلي شفتها بأس و إنتقلت في جلستها إلى جانبها تمسح على خطلاتها بلطف و حنان تلقي على مسامعها بعض الكلمات لتهوين عليها 

رمت إلينا رأسها على أكتاف جالِستها تشكوها عجزها و قلة حيلتها 

"ليت ذلك لم يحدث... ليتنا إستمرينا في كوننا مجرد أصدقاء. "

"إلينا لايمكن للإنسان التحكم في مشاعره كما أنه لا يمكن التحكم في الحب لا سلطة على قلب فيما يحب "

أصدرت إلينا صوت ساخر ما إن نطقت ليلي كلمة الحب تجاوزت ليلي سخريتها ثم تنحنحت بإرتباك لا تعلم كيفية التحدث في هذه الشأن لكن عليها تنبيها مجددا لعل هذه المرة تجدي نفعاّ

" إلينا ألا ترين أنكِ تتجعلين في الأمر؟. "

رفعت إلينا رأسها تنظر بإستغراب 

"إي أمر؟. "

"أمر الزواج" 

برقت عيني إلينا بقوة بنظرت خاطفة لحركت جسدها والأنفعالية 

أدركت ليلي ما ستقول لذالك رفعت يدها أمام وجهها تمنعها القول 

" إنتظري... دعني أنهي كلمي "

إستنشقت الهواء و زنفرت بهدوء ثم إعتدلت في جلستها 

"طارق رجل محب نبيل و صادق.. علاوة على ذالك يحبكِ و لا شك في ذالك.. لكن ألا ترين أن الأمر غير منصف من جانبه أن يكون حبه من طرف واحد" 

عبست ملامح إلينا تدريجياً و نطقت عيناها بنظرة نافرة لفكرة وجود الحب. 

أكملت ليلي قائلة

" إلينا الزواج يحدث بين شخصين يحملان نفس المشاعر... الزواج قائم على الحب ليس الصداقة "

ضرب ليلي يدها على أريكة بقوة ما أن طافت البرودة على ملامح إلينا تعلمها جيدا ستلقي جملتها و تهرب كالعادة 

"لا... ليس كذالك..يكفي أن تكون هناك ثقة و صدق بين زوجين..أنا أكتفي بهذا.. "

نهضت إلينا تتوجه إلى غرفتها و لكن قبل هذا أمسكت ليلي معصمها صارخة 

"لا... لا يكفي "

نطقت ليلي بغضب واضح. 

نفضت إلينا يدها بعنف و بقسوة تحدثت 

"يكفي أن لا يكون هناك خيانة و هذا كافي "

مسحت ليلي وجهها تحاول الهدوء مجددا و تمنح نفسها لحظة لتفكير بالكلمات المناسبة بينما أكملت إلينا بذات أسلوب 

"و هل شفع الحب لكِ ليلي. "

كان سؤالا قاسياً و قد أدركت ذلك ما أن فلت أخر حرف منه و إستقر الندم حيال ذلك. 

إلتمعت عيني ليلي برقاقة شفافة لامعة و بخفوت تحدثت 

" بلى... إن حب لا يشفع لأشخاص لا رحمة في قلوبهم. "

نهضت من على الاريكة تسير ببطئ إلى غرفتها بينما أغمضت إلينا عيناها بندم وقد فرت كل حروف الأبجدية دفعة واحدة من عقلها و لم تستطع سوى الأسراع و اللحاق بها ثم أمسكت بيدها تناظرها بأسف و ندم ربما تتفوه الأعين بما عجز اللسان. 

"دعيني أساعدكِ" 

ترجتها عيناها خفية بعدم رفض عرضها 

إبتسمت ليلي لها و أومأت إيجاباً لفت إلينا يدها حول خصر صديقتها تسندها و سارا ببطئ نحو غرفتها طلعتها إلينا بحزن

رغم تلك السنوات لم ينزلق من قلبها لم تنسى أبدا 

إنها ضحية أخرى 

ضحية للحب. 

أجلستها في سريرها و جلست بجانبها تمسح على خصالتها البنية 

" أنا أسفة ليلي... لم أقصد القول..أنا حقاً.. "

" لا بأس. " 

أجابت ليلي بهدوء ثم أضافت بنفس الهدوء المؤلم 

" بعض الأحيان علينا الضغط على جروحنا لربما لا نشعر بوخزة ألم حينها فقط نعلم أننا شفينا.. أو ربما"

 صمتت هنيهة و حولت عينيها نحو النافدة تنظر إلى المباني العالية

 و قالت بصوت ضعيف لولا هدوء لما سمعته 

" نشعر "

زاد أسى إلينا من نفسها ودت لو لكمت لسانها عدة مرات علها تكفر عن ذنبها إتجاه صديقتها ماكان عليها تذكيرها 

ما كان عليها فعل ذلك 

ربما الأرهاق الجسدي و النفسي جعل منها غير مدركة أي لغم للكلمات قد خطت 

فتحت فمها في محولة منها لتصحيح عن ما بدى لكن قطعتها ليلي قائلة 

" لم أنسى حتى أتذكر إلينا لا عليك.. دعينا لا نتحدث عن ذلك رجاء "

رجاءها كان مؤلم

مؤلماً جداً 

فلتت دمعت إلينا ثم مسحت بسرعة ما إن إلتفتت ليلي نحوها و بنبرة مازحة قالت إلينا

" أرى أنكِ أصبحتِ تعلمين ما أرغبه دون القول " 

إبتسمت ليلي لها بينما عينها أجابت 

أجل أنه العمق في العلاقات 

الصداقة علاقة فريدة و نادرة فقلة ما نجد صديق يدركك أكثر ما تدرك نفسك و يشعر بك دون قول 


حركت إلينا رأسها هنا و هناك ثم قالت بتسأل 

" إن المنزل هادئ على غير العادة... أين إيلا ؟.. "

" ذهبت إلى جامعة منذ مدة قصيرة "

حركت إلينا رأسها إيجاباً ثم نهضت تودع صديقتها متجه نحو غرفتها تصرف بعض الساعات النهار في النوم. 





••••••••



"أين أنت؟... منذ الصباح أتصل بك دون رد... لقد أصبحت الساعة الثانية عشر ليلا ً.. أين كنت كل هذا الوقت؟.." 

و ما أن رفع سليم رداً على الأتصال حتى إندفع صوت أيدا القلق يخترق طبلة أذنيه 

صمت برهة يكاد يقسم أن تلك ثواني التى صمت فيها أنها إستطاعت تأليف قصة كاملة و قد قاربت على الذهاب الى قسم الشرطة حتى تبلغ عن عملية خطف 

"سليم... ألو هل حدث شيء.. سليم.. "

لفضت أسمه بعصبية و قد نهضت من مقعدها إستعداد للخروج إلى الخارج 

بعدما عصف عقلها عدة أحداث و حوادث قد وقعت له. 

"هدءِ من روعك... لم يحدث شيء"

اوقفها صوته المنساب من سماعة الهاتف 

و من هدوء نبرته أيقنت أن حقاً لا مكره قد أصابه 

عادت إلى جلستها السابقة بختلاف شعورها بالراحة و بدا ذلك واضحاً

في جلستها المسترخية 

" إذا.. ما سبب كل هذا الإختفاء؟.. و أين كنتَ؟ "

إرتابت معالم وجهه و زاد عبوس حاجبيه ما إن تذكر مامر به قبل سويعات القليلة تردد صوته للحظة ثم تنحنح قائلا 

" بجانبكِ" 

تجنب الشط الأول من السؤال عن عمد محاولاً قدر الأمكان أن يتريث في ما أراد قوله و الأن و بعدما حدث لم يعد يهم السبب 

مايهم إن ينفذ ما إنتوء له 

إبتسمت عائدة بزهو ما إن خُيلا لها أنها بداية فقرة من الغزل المعتاد و بنبرة شقية تلف خصلتها حول إصبعها 

" و... كيف ذلك؟ "

سحب قدراً كافياً من الهواء و صاح في هدوء و إستعداد

"منذ الصباح الباكر و أنا أقف أمام منزلكِ " 

إعتدلت جالسة بسرعة و قد عالت الدهشة ملامحها حتى إصطبغت على بنبرتها العالية قليلاً 

" مــــاذا؟ "

أبعد سليم الهاتف عن إذنه بضعة سنتمترات ثم جعد وجهه بإنزعاج من ذلك الصوت العالي 

أعد وضعه مجددا ثم قال بسرعة دون لحظة تفكير واحدة 

" أيدا علينا الهروب "


O.B. 


             يتبع....  



ــــــــــــــــ


جميع الحقوق محفوظة © O. B يمنع النسخ أو إعادة النشر دون إذن..... 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الفصل 1الجزء الثاني " أحبيني أنا وليس قلبي "

 أتي الصباح اليوم الباكر  أشرقت به أشعة الشمس رغم كل شيء  أشرقت إشراقة محت كل بقايا ليلة باردة كئيبة مظلمة حيث إستقر عمق دمسها في قلوب مجهدة...